مقدمة كتاب
إن موضوع الكفايات يأتي اليوم في سياق المستجدات التربوية، والتغييرات، والإصلاحات التي عرفها، ويعرفها ميدان التربية والتعليم. والتي أسس لبناتها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وضبط معالمها ما تبنته المناهج الدراسية التكوينية من توجهات، ومسارات وممارسات تربوية، ومنهجية.واليوم ن وفي خضم هذا التجديد، الذي مس المناهج، والكتب المدرسية، والمدرسة، وحيثياتها، فإن الممارسة التعليمية والتربوية، اتسعت دائرتها. وبالتالي من المنطقي أن تتسع كذلك دائرة تكوين المدرسين، والمتعلمين. وتتشابك آلياتها، وتتعقد أسئلتها، والتي تنحو بالعملية التعليمية برمتها نحو التطور، والتجدد، ونمو الممارسة، وتغير الرؤية. وهذا يتطلب أن يواكبه وضع مقاربات جديدة، وتصورات، واستراتيجيات داعية لكل المقاربات ، التي تهدف إلى تطوير العملية التعليمية.وأمام تعذر بيداغوجيا الأهداف، من إعطاء الأولوية للمجال الاندماجي في الحياة اليومية، والمواءمة مع المشكلات اليومية التي يفرضها المناخ العام، وجعل المتعلم أكثر فاعلية، وأكثر صلابة أمام المواقف الظاهرة حديثان والتي جعلت المنظومة التعليمية في حرج، علها تحل بعضا من المشاكل، وتخفف بعضا من التشاؤمية التي أصبحت تطال المؤسسة التعليمية، والبرامج الدراسية. ومن هنا هبت التيارات الإصلاحية لتغيير أسلوب التعلم، ومناهج التعليم وطرقه لخلق متعلم بمواصفات جديدة. يكون قادرا على المواءمة، والتكيف مع كل التطورات التي تحدث في المجتمع..ولذاك بيداغوجيا الكفايات لا تخلق متعلما يعرف كيف يكون، ولكن تخلق متعلما يعرف كيف يواجه ، وكيف يتعامل مع المشكلات، ويعمل على حلها.إن التعليم المعتمد على المقاربة بالكفايات يهدف إلى الجودة، وإلى تحقيق النمو الطبيعي للتعلم. وجعل الممارسة التعليمية أكثر عقلنة، ومنطقا. كما أن هذا العمل يهدف إلى إعطاء صورة عن هذه المقاربة الجديدة، مع إغناء المرجعية التربوية، والمساهمة في تنمية التراكم المعرفي الخاص بهذا الميدان: ميدان التربية والتعليم.والتربية كممارسة ، ذات شروط وأهداف ن كانت ولا زالت تبحث عن طرق وعن خطط، واستراتيجيات لجعل الفرد / المتربي فاعلا في محيطه، إيجابيا في تعامله، متكيفا مع الحياة، وأن يكون بالتالي ذا كفايات وقدرات عالية، تسم إنجازاته بالجودة والمقبولية.وقد حاولت في هذا البحث المتواضع إعطاء رؤيا موضوعية عن الكفايات ومكوناتها، وعلاقتها بالعملية التعليمية التعلمية. كما اهتممت إلى إعطاء انطباع شخصي عن الإعداد والعملية التعليمية من حيث وسائلها، ومراحلها، وطرقها. كما تضمن العمل يقيم الكفايات مع اعتماد مرجعية تربوية تستند إلى كثير من الأدبيات التربوية، والبحوث في المقاربة البيداغوجية.وأتمنى أن يساهم هذا العمل في إجلاء بعض اللبس الذي ارتبط بمصطلح "الكفاية". وان يجد فيه المطلع ما يشبع نهمه المعرفي، وينمي مداركه التربوية. والله الموفق.I - العملية التعليمية التعلمية- ماذا نعني بالتعليم؟.- ماذا نعني بالتعلم؟.إن التعلم بصفة عامة ينبني على عمليات جد معقدة. والمتعلم لا يخلو تعلمه من تمثلات سابقة عن عملية التعليم والتعلم. فهو يراها صعبة جدا، ومرهقة، لأنها تتداخل فيها مجموعة من العوامل. ويعرف انه يجب أن يتوفر على قدر من المعارف والمهارات، والقدرات تمكنه من مسايرة وثيرة عملية التعليم والتعلم.وفي المؤسسة التعليمية قلما نجد المدرس الذي يعي الدور الصحيح للعملية التعليمية التعلمية في حركيتها. وقلما يعمل على خلق وضعيات تعلمية/ تعليمية مختلفة تجعل المتعلم يقبل بكل أمان على تعلماته.إن عملية التعليم والتعلم عملية تواصلية ما بين الفاعلين التربويين والمتعلم، والفضاء المدرسي. وأنها- أيضا- عملية تربوية هادفة تأخذ في اعتبارها كافة العوامل المكونة للتعليم. ويتفاعل خلالها كل من المدرس والمتعلمين لتحقيق ما يسمى بالأهداف التربوية.كما أنها استثمار للمتعلم ولجهده، ولقدراته ليصل إلى الأهداف المسطرة من العملية التعليمية/ التعلمية برمتها. ولذا يعتبر المربون العملية كلها صعبة، ومعقدة، لأنها تنبني على مجموعة من العمليات والتفاعلات.وعمليات التعليم والتدريس نوعان: عمليات تحضيريةpréparation processes، وعمليات تنفيذيةimplamentation processes[1]. ومن هنا على المدرسة تنمية الكفايات المهارية، والحس حركية، والمعرفية، والوجدانية لدى المتعلم. لأن هذا يجعله يكون مجموعة من المواقف التي تخدم تعلمه أو العكس. كما على المدرس اعتماد التقويم التكويني في تعليمه، لأنه يقود إلى بناء المعارف، وان التحليل والمناقشة- خاصة- للمشاكل التعليمية، تجعل سيرورة العملية بكاملها تسير نحو الأحسن. كل هذا بفعل الممارسة والاعتياد اليومي الذي هو جزء من المدخلات،والذي يتحول إلى معايير تقويمية تساعد على الدفع بالعملية التعليمية/ التعلمية إلى الأمام، والتي هي في مضمونها مخرجات العملية التعليمية التعلمية.والتعليم إعطاء لبعض المعلومات، وإكساب لبعض المعارف. وقد ورد في:" الوعي التربوي ومستقبل البلاد العربية"، أن:<< التعليم في نظر العلم الحديث ليس حفظا أو استظهارا. وإنما هو تغير مستمر يطرأ على حياة المتعلم وسلوكه، ونتيجة لتفاعله مع البيئة التي يعيش فيها>>[2] .ويقول"كلاوس مايير":<< إن التعليم في نظر التربية التقليدية هو عملية يكتسب بها الإنسان المعارف، والمعلومات بالحفظ والاستظهار>>[3]. وفي نظر التربية الحديثة فإن التعلم هو عملية يغير بها الإنسان مجرى حياته بصورة مستمرة نتيجة لتفاعله مع البيئة.ويورد" حنا غالب" تعريفا ل( هلكار)، يقول فيه: << التعلم أو التعليم: عملية بها ينشأ فعل أو سلوك أو يتطور أو يتغير. وذلك بمكافحة ظرف من الظروف، أو ممارسته والاستجابة له>>[4].ولا بد أن نميز بخصوص تعريف العملية التعليمية بين ظاهرتين: ظاهرة التعلم، وظاهرة التعليم. فإذا كان التعلم قد حظي باهتمام كبير من طرف علماء النفس، فإن العملية التعليمية لم تعرف نفس العناية على الأقل، على مستوى الدراسات النظرية. ولعل مرد هذا النقص كما يعتقد( كاج) راجع إلى أن علماء النفس عند اهتمامهم بدراسة التعلم فغنهم لم ينظروا في مقابل ذلك إلى التعليم إلا باعتباره مرآة تعكس ظاهرة التعلم.والحقيقة أن العملية التعليمية تندرج في إطار سيرورة من الترابطات العلائقية تمنحها خصوصية يبرزها( كاج) في كتاب( postic) طبعة 1977 ص: 34، إذ يقول:<< نعني بالعملية التعليمية في مجال البحث، كل تأثير يحدث بين الأشخاص ويهدف إلى تغيير الكيفية التي يسلك وفقها الآخر>>.ويقترح كل من ( هوك) و( دونكان) تعريفا تحليليا للعملية التعليمية، وينظران إليها كنشاط يتضمن أربع حالات:1. مرحلة تنظيمية يتم فيها تحديد الغايات العامة، والأهداف الخاصة. كما يتم فيها اختيار الوسائل الملائمة.2. مرحلة التدخل. أي تطبيق استراتيجيات، وإنجاز تقنيات تربوية داخل القسم.3. مرحلة تحديد وسائل قياس النتائج وتحليل البيانات.4. مرحلة التقييم. وذلك بامتحان مدى انسجام الأهداف، وفعالية النشاط التعليمي.من هنا كان لزاما على المدرس العمل على تنمية الكفايات التعليمية/ التعلمية لدى المتعلم، وذلك باعتماد التقويم التكوينين والتحليل، والمناقشة. وكذلك باعتماد المشاريع التعليمية التعلمية التي تعمل على حل مجموعة من المشاكل التعليمية والتربوية، والتي منها:· مشاكل التوافق.· مشاكل التكيف والاندماج.· مشاكل المسايرة والإقبال على التعليم بجدية وحماس.· مشاكل التحفيز والتجديد، والتفاعل.صحيح أن المتعلم ينمي كفاياته في المدرسة، وحتى نساعده على ذلك يجب وضعه في وضعيات تعليمية/ تعلمية. وان يشعر بأنه بإمكانه أن يساهم في هذه الوضعيات، وفي هذه العملية كلها. وان نجعله يعرف لماذا يتعلم، وعندما يعرف لماذا، تصبح عملية اندماجه وإدماجه في الفعل التربوي كلها سهلة، واعتيادية، لأن هذا سيمكنه من:· التواصل مع الآخر.· توظيف المكتسبات السابقة في اكتساب خبرات جديدة.· التأقلم مع أي وضعية كانت.ولذا المشاريع التعليمية التعلمية تجعله يتحكم في الكفايات التي تمكنه من الإقدام على التعلم بكل جرأة وثقة في النفس، وحرية. وهذه المشاريع تكون مبنية على الشكل التالي:- أخذ القرار.- التنفيذ.- التقويم.والعملية التعليمية تنبني في غالبيتها على دروس في مواد المنهاج، والتي هي عبارة عن نظام مصغر يشتمل على مجموعة من العناصر والمكونات. زيادة على أنها تصميم لاستراتيجيات التعليم والتعلم، والتي ستنفذ في وضعيات ملموسة[5]، ومحددة بحصة زمانية، لها بدايتها ونهايتها، مع التركيز على مجموعة من الأنشطة البنائية والتقويمية الداعمة، والتي تجعل العملية التعليمية
إرسال تعليق